الأربعاء، 17 سبتمبر 2025

رق المهدي: نبض الاقتصاد العالمي.. رحلة في أعماق نظام سويفت


رق المهدي: نبض الاقتصاد العالمي.. رحلة في أعماق نظام سويفت

بينما نستخدم أيدينا لدفع ثمن قهوة بقطع نقدية، تدور في قاع العالم الرقمي معاملات بمليارات الدولارات عبر شبكة لا نراها. هذه الشبكة هي "سويفت" (SWIFT)، الذي ليس مجرد نظام تقني، بل هو الشريان الحيوي الذي يضخ السيولة في شرايين الاقتصاد العالمي. إنه النبض الذي يحدد مسارات التجارة والسياسة، ومحور الصراعات الخفية.

1. من أين جاء سويفت؟

في سبعينيات القرن الماضي، كانت المعاملات المصرفية الدولية تتم عبر نظام التلكس القديم، الذي كان بطيئًا وغير آمن. في عام 1973، قرر 239 بنكًا من 15 دولة إنشاء "جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك" (SWIFT) في بلجيكا. لم يكن الهدف نقل الأموال مباشرة، بل كان إنشاء لغة موحدة وآمنة للمراسلات بين البنوك، أشبه ببريد سري يحمل أوامر التحويل. هذا النظام الثوري سمح للبنوك بالتواصل بسرعة ودقة، وأصبح العصب الحقيقي للاقتصاد العالمي.

2. كيف يعمل سويفت؟

تخيل أن سويفت هو نظام بريدي رقمي عالمي، وليس بنكًا. عندما تريد تحويل مبلغ من حسابك في بنك إلى حساب في بلد آخر، فإن البنك الذي تتعامل معه لا يرسل المال مباشرة. بل يرسل رسالة مشفرة وآمنة عبر شبكة سويفت إلى البنك الآخر، يطلب منه تحويل المبلغ من حسابه في بنك وسيط إلى حساب المستفيد.

ببساطة، سويفت يخبر البنوك بـ "من يدين لمن"، لكنه لا يقوم بالتحويل المالي نفسه. هذا ما يجعله أداة قوية للغاية، لأن من يتحكم في نظام المراسلات يتحكم في القدرة على إتمام المعاملات.

3. سويفت كأداة للسياسة العالمية

هنا نصل إلى جوهر سؤالك. نعم، نظام سويفت، على الرغم من حياديته التقنية، أصبح أداة سياسية بامتياز. ففي الصراع بين روسيا وأوكرانيا، فرضت الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات قاسية شملت فصل بعض البنوك الروسية الرئيسية من شبكة سويفت.

هل هذا الفيتو الأمريكي "هزم" روسيا؟

الأمر أكثر تعقيدًا. إن فصل بنك ما عن سويفت لا يمنعه من التعامل دوليًا بشكل كامل، لكنه يشل حركته بشكل كبير. لقد كان بمثابة ضربة قاصمة لشريان الاقتصاد الروسي، حيث أصبح من الصعب على هذه البنوك إرسال واستقبال المدفوعات الدولية، مما أثر على تجارتها، وخاصة صادراتها النفطية.

ومع ذلك، لم يكن سويفت العامل الوحيد، بل كان جزءًا من حزمة عقوبات شاملة. كما أن هذا الإجراء دفع روسيا وبلدانًا أخرى إلى البحث عن بدائل، مما قد يؤدي في المستقبل إلى ظهور أنظمة أخرى تنافس سويفت وتغير موازين القوى.


الخلاصة: إلى أين يذهب سويفت؟

إن نبض سويفت اليوم ليس بنفس القوة التي كان عليها بالأمس. إن الصراع السياسي حوله كشف هشاشته، ودفع الدول الكبرى إلى التفكير في مستقبل لا تعتمد فيه على نظام واحد. إن هذا يخبرنا أن التكنولوجيا لا يمكنها أن تظل منفصلة عن السياسة، وأن التحكم في تدفق المعلومات والأموال هو أحد أبرز أشكال القوة في عصرنا.

ليست هناك تعليقات:

تطبيق رق المهدي المصغر بالتيليجرام

  أهلاً بك في رق المهدي ...