سر لحظة الخلق الأولى: هل بدأ الكون بانفجارين عظيمين؟
المادة المظلمة تشكل أربعة أخماس مادة الكون، لكنها تظل خفية عن أعيننا. فهل يمكن أن يكون لها قصة أصل مختلفة تماماً عن قصة المادة المرئية؟
بينما تتصاعد فقاعات الماء في غلاية، تصطدم وتختفي، محاكيةً بذلك ظاهرة فيزيائية قديمة جداً: التحولات الطورية في الكون المبكر. هذه اللحظات، التي لا تزال غامضة، قد تحمل مفتاح فهم أكبر أسرار الكون، وهو لغز المادة المظلمة. يعتقد فريق من الفيزيائيين أن الكون لم يشهد "انفجاراً عظيماً" واحداً، بل ربما شهد انفجاراً آخر بعد أسابيع قليلة من الأول، وهو ما قد يكون السبب وراء نشأة المادة المظلمة.
تُعرف هذه الفرضية الجديدة باسم "الانفجار العظيم المظلم". ورغم غرابة الفكرة، فإنها تنسجم مع مفاهيم جديدة في علم الكونيات، حيث يُعاد صياغة مفهومنا التقليدي عن نشأة الكون ليشمل عدة مراحل انتقالية. ما يجعل هذه الفرضية مثيرة للاهتمام هو أن لدينا اليوم أدوات حديثة، مثل مراصد موجات الجاذبية، قد تمكننا من اختبارها واكتشاف أي تموجات في الفضاء نتجت عن هذا الحدث. إذا تأكدت هذه الفرضية، فإنها لن تغير فهمنا للكون المبكر فحسب، بل ستُقدم دليلاً ملموساً على طبيعة المادة المظلمة، مما يمهد الطريق لاكتشافها.
ما الذي يدفعنا للبحث عن المادة المظلمة؟
يُعَدُّ وجود المادة المظلمة حلاً للعديد من الألغاز الفلكية. فمثلاً، تدور المجرات بسرعات تفوق ما يمكن أن تفسره جاذبية مادتها المرئية وحدها، مما يشير إلى وجود كتلة إضافية غير مرئية. هذه الكتلة، التي تُشكل حوالي 5 أضعاف المادة العادية، تعمل بمثابة "غراء كوني" يمنع المجرات من التفكك.
لأكثر من 40 عاماً، سعى العلماء لاكتشاف جسيمات المادة المظلمة من خلال تجارب معقدة، مثل البحث عن "الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل" (WIMPs). لكن كل هذه المحاولات لم تسفر عن دليل قاطع. هذا الفشل قد يكون إشارة إلى أن المادة المظلمة لا تتفاعل مع القوى الأساسية الأخرى سوى الجاذبية.
الانفجار العظيم: أكثر من مجرد لحظة واحدة
لقد أدرك العلماء أن النموذج الأولي "للانفجار العظيم" غير مكتمل. ولحل مشاكل مثل تجانس درجة حرارة الكون، تم إضافة فترة من التوسع الهائل والسريع تُعرف بـ "التضخم الكوني". بعد هذه الفترة، حدث ما يسمى "الانفجار العظيم الساخن"، وهو عبارة عن سلسلة من التحولات الطورية التي أدت إلى نشأة الجسيمات والقوى الأساسية في الكون.
في هذا السياق، تصبح فرضية الانفجار العظيم المظلم منطقية. فإذا كانت المادة المظلمة لا تتفاعل مع المادة العادية إلا عبر الجاذبية، فمن الممكن أن تكون قد نشأت من تحول طوري منفصل تماماً عن الذي أنتج كوننا المرئي.
البحث عن "الهمهمة الخلفية"
السبيل الأفضل لاختبار هذه الفرضية هو البحث عن موجات الجاذبية التي يُفترض أن تكون قد نتجت عن هذا الانفجار المظلم. هذه الموجات، التي يمكن تشبيهها بـ "همهمة" في نسيج الزمكان، قد تم رصدها بالفعل. في عام 2023، أعلن مرصد NANOGrav عن اكتشاف إشارة قوية من هذه "الهمهمة".
تُقدم هذه الإشارة دليلاً قوياً على أن هناك شيئاً ما غريباً قد حدث في الكون المبكر. وبينما يرى البعض أن مصدرها قد يكون اصطدام الثقوب السوداء البعيدة، ترى كاثرين فريز أن مقاييس الطاقة تتوافق بشكل أفضل مع فرضية "الانفجار العظيم المظلم".
المصادر والمراجع
- Freese, K., & Winkler, M. W. (2023). Dark Matter and Gravitational Waves from a Dark Big Bang. Physical Review D, 107(8), 083522.
- Ilie, C. (2024). New Study Reveals Possible Origins of Dark Matter in “Dark Big Bang” Scenario. Colgate University.
- Merali, Z. (2023). Delayed Big Bang for dark matter could be detected in gravitational waves. Physics World.
- NASA Science. (2025). What Is Dark Matter? The Invisible Glue That Holds the Universe Together. NASA.
من أنا
أهلاً بك في مدونتي! أنا عبدالله، مهتم بالفيزياء، الفلك، وعلوم الكون. أهدف من خلال هذا الموقع إلى تبسيط المفاهيم العلمية المعقدة وتقديمها بأسلوب شيق وسلس للجمهور العربي. أؤمن أن العلم هو مغامرة لا نهاية لها، وأتمنى أن تكون هذه المدونة بوابتك لاكتشاف أسرار الكون.
هنا ستجد مقالات متعمقة حول أحدث النظريات والاكتشافات، من فيزياء الجسيمات إلى أصل الكون. انضم إلي في هذه الرحلة المذهلة.
مقالات أخرى
مقدمة في الثقوب السوداء
استكشاف أعمق الأجسام في الكون، من الثقب الأسود الهائل في مركز مجرتنا إلى الثقوب السوداء البدائية.
اقرأ المزيدرحلة عبر الزمن: نظرية النسبية
كيف غير ألبرت أينشتاين فهمنا للزمكان والجاذبية، وماذا يعني ذلك بالنسبة لسفرنا في الكون.
اقرأ المزيد 
 
 
 
 
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق