رق المهدي: شبح بروكن.. حكاية الظلال العملاقة بين خرافة الأشباح وعلم الفيزياء
في صباحات جبلية يلفها الضباب، قد يرى المتسلق مشهداً يخلب الألب ويثير الرهبة في آن واحد: ظل عملاق هائل الحجم، يلوح في سكون فوق قمم السحب، يتحرك بحركته، ويحيط به هالة من نور ملونة تشبه قوس قزح. هذا المشهد، الذي أرعب البشر لأجيال، عُرف باسم "شبح بروكن". إنه ليس شبحاً من عالم الأرواح، بل هو ظاهرة بصرية آسرة، تجسد ببراعة التداخل بين دقة العلم وثراء المخيلة الإنسانية.
1. اللقاء الأول مع الشبح العملاق
تنسب هذه الظاهرة إلى قمة بروكن في جبال الهارتس الألمانية، حيث كان الضباب الدائم يجعله مسرحًا مألوفًا لهذه "الأشباح". ورغم أن الظاهرة رُصدت في جبال الألب والهيمالايا، إلا أن هذا الاسم بقي لصيقًا بها. أما الطيارون، فيرون نسخة مشابهة منها حول ظل الطائرة على الغيوم، ويطلقون عليها اسم "هالة الطيار".
إن الشعور برؤية هيئة ضخمة تتحرك في الضباب يثير القشعريرة، ويجعلك تتساءل: هل هذا كائن أسطوري يحرس الجبل، أم أنه انعكاس لنفسك في مرآة من الضباب؟
2. لغز الخرافة والتاريخ
قبل أن يأتي العلم بتفسيره، ارتبط "شبح بروكن" بالخرافة والرهبة. ففي التراث الألماني، كانت قمة بروكن مكانًا يجتمع فيه السحرة والأرواح الشريرة، خاصة في ليلة فالبرغيس الشهيرة. وكان ظهور هذه الظلال العملاقة يُعد دليلاً على وجود هذه الكائنات. كما انسجمت الظاهرة مع أسطورة "الدوبلغانغر"، أو القرين الشبح، الذي كان يُعتبر نذير شؤم ونُسخة أخرى من الشخص نفسه.
وهكذا تحول الشبح إلى رمز أدبي، يلهم الشعراء والفنانين، ليعبر عن الحدود بين الواقع والخيال، ويطرح سؤالاً أزلياً عن معنى أن يكون للإنسان قرين.
3. حقيقة الظل والضوء: التفسير العلمي
لفهم هذه الظاهرة، لا بد من توافر ثلاثة عناصر رئيسية:
شمس منخفضة في الخلفية.
مراقب يقف على ارتفاع شاهق (فوق الضباب).
سحابة أو ضباب أمام المراقب.
في هذه الظروف، يسقط ظل المراقب على قطرات الماء الدقيقة المعلقة في الهواء. ولأن هذه القطرات تشكل سطحاً ثلاثي الأبعاد، فإن العين ترى الظل متمددًا وعملاقًا. أما الهالة الملونة التي تحيط بالشبح، فهي نتيجة حيود الضوء، وهي ظاهرة فيزيائية تحدث عندما تمر أشعة الشمس عبر قطرات الماء الصغيرة وتنعكس باتجاه الراصد، مما يشتت ألوان الطيف ويخلق هذا القوس الساحر.
الخلاصة: حين يلتقي العلم بالشعر
إن حقيقة "شبح بروكن" هي أنه ليس شبحًا، بل هو انعكاس لك أنت، مكبرًا ومبهرًا بقوانين الفيزياء البسيطة. هذا الحدث الطبيعي يعلمنا أن ما يبدو لنا مرعباً أو غامضاً، قد يكون في الحقيقة ظاهرة علمية بديعة تنتظر من يكتشف سرها. وهذا بالضبط ما نقوم به هنا في "رق المهدي": نبحث عن الحقيقة في قلب كل لغز.
_(2).png)
_(1).png)
.png)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق